هل تنجح أبو ظبي في إعادة تأهيل الأسد؟

2021.11.25 | 05:17 دمشق

fdxb2q4xiaifoby.jpeg
+A
حجم الخط
-A

السياسة كما يقال تقوم على حساب الربح والخسارة، والربح والخسارة هنا تقوم على مصالح الشعب الذي تؤتمن الحكومة على تحقيق هذه المصالح، بعض المصالح في الدول التسلطية تختصر في بقاء الحاكم مدى الحياة وربما توريث السلطة من بعده لمن يخلفه من أولاده، هذه المصلحة تصبح الهدف الأعلى للدولة ومؤسساتها بغض النظر عن رأي الشعب أو مصالحه القريبة والبعيدة كما عرف المصلحة ماكس فيبر يوماً.

لقد أمضيت وقتا لا بأس به وأنا أتأمل زيارة وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد إلى دمشق للقاء الأسد، باحثا عن المصلحة أو المنفعة التي يمكن أن تعود على الإمارات في التطبيع مع مجرم حرب من مستوى الأسد، منبوذ داخليا وعربيا وعالمياً، في الحقيقة لم أستطع حل هذا اللغز.

بيد أن المتابع للسياسة الخارجية الإماراتية والمراقب لتحركاتها الدولية في التحالف مع إسرائيل والضرب بعرض الحائط بكل القرارات العربية الخاصة بالحقوق الفلسطينية وعدم الاكتراث للمشاعر الفلسطينية وزيارة وزير الخارجية الإماراتي نفسه واشنطن مصحوبا بوزير الخارجية الإسرائيلي للحديث عن "الأجندة المشتركة" يدرك تماما مدى تخبط هذه السياسة وعشوائيتها، فهي تقوم على التميز أكثر من كونها قائمة على مصالح الشعب الإماراتي ولذلك فهي سياسة قصيرة النظر ومن شأنها أن ترتد على أعقابها قريبا، فهي لا تقوم على أسس واضحة من القيم والالتزام بمصالح الشعب الإماراتي والعربي الذي تظهر استطلاعات الرأي أنه ما زال يعطي أغلبية واضحة ضد التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي.

في الحقيقة هذه السياسة الإماراتية بدأت تتضح أكثر وأكثر منذ سنوات تقريبا، بدءاً من دعم المجلس الجنوبي في اليمن على عكس دعم حليفتها السعودية في وحدة اليمن، ثم التحالف مع إسرائيل على عكس مواثيق جامعة الدول العربية، ثم التطبيع مع الأسد ومحاولة إعادة تأهيله للجامعة العربية بعد أن نبذه الجميع في مخالفة لحليفة الإمارات واشنطن التي أقرت قانون قيصر، ولذلك من الصعب في الحقيقة فهم هذه السياسة المضطربة وغير المستقرة في مصالحها وقيمها، وهو ما يدعو للشك فيها من قبل الحلفاء والأصدقاء قبل الأعداء فحليف اليوم يمكنه أن يصبح عدو الغد من دون أي معايير أو قيم تحكم المصالح العامة هنا وتؤطر السياسة وفقها.

زيارة الأسد مثلت الوجه الأقبح لهذه السياسة في تجلياتها وانعكاساتها في التطبيع مع الأسد الذي شرد شعبه كاملا في كل بلدان اللجوء عبر العالم

إنها نموذج للاعقلانية السياسية التي أصبحت سمة عربية للأسف في أنظمتها التسلطية شرقا وغربا، وربما في زيارة الأسد مثلت الوجه الأقبح لهذه السياسة في تجلياتها وانعكاساتها في التطبيع مع الأسد الذي شرد شعبه كاملا في كل بلدان اللجوء عبر العالم وجعل العرب أضحوكة في عدم قدرتهم على مواجهته لمساعدة الشعب السوري في محنته وفي النهاية طلب منهم قبوله لأن هذه هي "السياسة الواقعية" وأن "الأسد هو المنتصر" والسياسة يجب أن تعكس هذا الانتصار بدل أن تعكس القيم التي تدافع عن حقوق الإنسان والعدالة والإنصاف.

الطريف في الأمر أن تسويق الإمارات لهذه الزيارة بهدف إعادة الأسد إلى الحضن العربي وإبعاده عن إيران أشبه بالسذاجة السياسية، فإيران حرفيا باتت تحتل سوريا عبر مليشياتها وسفارتها وبعثاتها وأموالها، فما الذي يدفع الأسد كي يفك تحالفه الوثيق مع إيران التي دافعت عنه بشكل أعمى في أحلك الظروف مقابل علاقة غير مأمونة الجانب مع الإمارات، إنها السذاجة السياسية بعينها التي تريد إقناع العرب بأن علاقة جيدة مع إسرائيل ستخدم صراعهم مع إيران.

وصلت السياسة الإماراتية إلى حدودها القصوى في اللعب على أوتار الخلاف والشقاق العربي وأعتقد أنها كما فشلت في اليمن وليبيا ستحصد ثمار فشلها قريبا في سوريا وفلسطين، الشعب هو من يحدد المصالح ويحميها وليس الحاكم الذي سيذهب ويزول يوما ما، ولذلك قيل دائما المنفعة والمصلحة مرتبطتان بالخير العام وليس بالمصلحة الخاصة والشخصية.