هل يهدد ترامب الديمقراطية الأميركية؟

هل يهدد ترامب الديمقراطية الأميركية؟

11 فبراير 2017
+ الخط -
يدور جدل كبير بين علماء السياسة الأميركيين اليوم حول مدى قوة المؤسسات الأميركية وصمودها أمام النزعة الشعبوية التي أوصلت دونالد ترامب إلى سدة الرئاسة، ويحضر السؤال بقوة عند فحص ما تسمى قدرة السلطات الثلاث في المحافظة على توازنها، أو ما يسمى Checks and Balances) )، فالديمقراطية الأميركية التي تعتبر بحق أقدم ديمقراطية قائمة ومستمرة في عالمنا المعاصر تتعرّض اليوم لامتحان حقيقي أمام فوز ترامب الذي شكل بالنسبة لكثيرين تهديداً للتوازن بين هذه السلطات، فقد انتقد علنا أحد القضاة، بسبب خلفيته القادمة من المكسيك، واعتبره عنصرياً. وإلى الآن، وحتى بعد انتخابه، يعتبر نفسه في "حرب مفتوحة" مع وسائل الإعلام التي تتعمد تشويه صورته، وبحسب زعمه، "لا تنشر الحقائق كما يراها"، وعندما ووجهت مستشارته بأسئلةٍ كثيرة عن ادعاءات ترامب الكاذبة بشأن تزوير الانتخابات الأميركية ومشاركة أكثر من خمسة ملايين مهاجر غير شرعي في الانتخابات، قالت إن ترامب يقدم "حقائق بديلة"، وعندما يكون هناك بديل للحقيقة، لا تكون حقيقة أبداً.
وفوق ذلك، تجاوز ترامب قواعد أدبية وأخلاقية كثيرة سبقه بها المرشحون إلى سباق البيت الأبيض، أولها الكشف عن سجله الضريبي، كي لا يكون هناك أي تضارب في المصالح بين موقعه الذي سوف يتبوأه وأعماله السابقة، وقد رفض القيام بذلك خلال الحملة الانتخابية، وحتى بعد فوزه بالرئاسة، كما استخدم لغة عنصرية تجاه الأميركيين من أصل لاتيني والمسلمين والنساء وغيرهم، وعلى الرغم من ذلك كله، تمكّن من الفوز.
ولذلك، تحضر في أذهان علماء السياسة الأميركيين اليوم أمثلة كثيرة عن الصعود الشعبوي للقادة، ومن ثم تغيير قواعد اللعب، للاستمرار في الحكم فترات غير محدودة، والسؤال هنا هو مدى قدرة المؤسسات الأميركية على المقاومة، ومنع ترامب من تغيير هذه القواعد التي هي فخر الديمقراطية الأميركية.
يعتبر المفكر دارين أسيموغلو صاحب كتاب "لماذا تنهار الأمم" أن المؤسسات الأميركية
الحديثة ليست مستعدة لمقاومة صعود رجل قوي وشعبوي، مثل ترامب، كما أن الضوابط والتوازنات الأميركية ليست قويةً كما يعتقد الأميركيون، إذ يسيطر الجمهوريون اليوم على الكونغرس، بمجلسيه النواب والشيوخ، وبالتالي يستطيع ترامب أن يتحكّم بالكونغرس كما يشاء وممارسة الضغوط على أعضاء حزبه الجمهوري، في حال رفضوا الانصياع لخططه أو رفضهم تنفيذ أوامره. كما أن القضاء، وخصوصاً المحكمة الدستورية، ستتحول إلى مؤسسة محافظة بالكامل مع تعيين قاضٍ جديد في المحكمة، فضلاً عن التذكير بالأصوات المتزايدة داخل الحزب الجمهوري من ضرورة الحد من التدخل من صلاحيات المحكمة، وأنها غالبا ما تتجاوز صلاحياتها بأخذ قراراتٍ لا يحق لها البتّ فيها، وبالتالي، للحزب الجمهوري تاريخ في العداء لهذه المحكمة، ولمّا كان القادم الجديد إلى البيت الأبيض يحق له تعيين 4000 موظف سياسي في مواقع مختلفة من البيت الأبيض والوزارات الخمس عشرة المختلفة، فإن هذه التعيينات السياسية، أو كما يقال لها البيروقراطية التنفيذية، سوف تكون تحت إرادة الرئيس ترامب بالكامل. كما يمكن أيضا القول إن وسائل الإعلام التي تنظر إلى نفسها على أنها السلطة الرابعة، تتعرّض لهجومٍ لا هوادة فيه من ترامب وأتباعه، بوصفها تروج أخباراً كاذبة. يقول أسيموغلو إن المصدر الرئيسي للمقاومة الآن هو المجتمع المدني. ولذلك، لابد من تعبئة الملايين من المواطنين العاديين للاحتجاج على سياسات ترامب وتجاوزاته، مثل المسيرات التي جرت في واشنطن والمدن في أنحاء البلاد في اليوم التالي لحفل التنصيب.
أما فوكوياما صاحب كتاب "نهاية التاريخ"، فيعتقد أنه من الصعب جداً على ترامب السيطرة على الحزب الجمهوري، على الرغم من أنه فاز بترشيحه للرئاسة، كما أنه سيعاني صعوبات
هائلة في السيطرة على السلطة التنفيذية، فكثيرون من وزراء ترامب، مثل جيمس ماتيس وريكس تيلرسون ونيكي هالي، قد أعربوا بالفعل عن وجهات نظر مختلفة بشكل واضح مع ترامب. وحتى ولو كانوا موالين له، فإنه يحتاج إلى كمية كبيرة من المهارة والخبرة لتدجين البيروقراطية الأميركية الهائلة. صحيح أن لدى الولايات المتحدة عددا أكبر بكثير من التعيينات السياسية من الديمقراطيات الأخرى، لكن ترامب لا يأتي إلى المكتب مع كادرٍ كبير من أنصاره، كونه لم يخدم في الحياة الحزبية أو السياسية من قبل، وربما سيعتمد على شبكته من رجال الأعمال الذين شاركوه في إدارة شركاته العائلية.
كما يؤكد فوكوياما أن النظام الفيدرالي الأميركي سيعيق طموحات كثيرة لترامب. فهذا النظام كما صممه الآباء المؤسسون للولايات المتحدة قصدوا منه، بشكل كبير، توزيع السلطة وتفتيتها لمنع صعود الرجل القوي بشكل مطلق. وبالتالي، هو مصمم بشكل رئيسي لتفتيت السلطة المركزية، بحيث لا تستطيع واشنطن السيطرة على جدول الأعمال بشأن قضايا كثيرة.
وفي نهاية المطاف، تأتي قدرة ترامب على الاختراق وتجاوز القيود المؤسسية من طبيعة الطبقة السياسية التي ستتعامل معه، وخصوصا من الدعم الذي سيحصل عليه من جمهوريين آخرين، فهو يريد ترهيب أعضاء حزبه الجمهوري، كي يبقوا ضمن بيت الطاعة، بغض النظر عما يقوله أو يفعله، وهو من الصعب على جمهوريين تقليديين كثيرين القبول بذلك.
ربما تكون متابعة السياسة الأميركية اليوم أكثر تشويقا أكثر من أي وقت مضى، فكثير من القيود والقواعد لم تكن تنطبق على الديمقراطية الأميركية. لكن، مع صعود ترامب، تحتاج هذه المؤسسات إلى إظهار قوتها في الصمود ضد موجة الشعبوية التي تهدف إلى تدميرها.
BCA0696E-8EAC-405E-9C84-3F8EA3CBA8A5
رضوان زيادة

كاتب وباحث سوري، أستاذ في جامعة جورج واشنطن في واشنطن