المال السياسي بأميركا... لجان العمل ترفع فاتورة النفقات الانتخابية

المال السياسي في أميركا... لجان العمل ترفع فاتورة الاستحقاقات الانتخابية

09 يناير 2023
لجان العمل السياسي "السوبر باكس" رفعت من فاتورة الإنفاق الانتخابي (Getty)
+ الخط -

ترتفع تكلفة الحملات الانتخابية في أميركا مع كل استحقاق جديد، إذ تمول معارك الحزبين من أجل نيل أصوات الناخبين عدة جهات، لكن أخطرها وأكثرها قدرة على الإنفاق غير المحدود، لجان العمل السياسي التي فشلت محاولات تحجيمها.

-واجهت المرشحة الأميركية من أصول فلسطينية رواء رمان، والتي فازت بعضوية مجلس نواب ولاية جورجيا، في انتخابات التجديد النصفي التي جرت في الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، صعوبة أثناء تسيير حملتها الانتخابية بميزانية قدرها 200 ألف دولار جمعتها من تبرعات المناصرين، إذ اضطرت إلى توظيف شخص واحد بدوام كامل، ويعاونه 30 طالبا كانت تدفع لهم مقابل ساعات عمل محدودة، بينما حصل مرشحون على دعم غير محدود من شركات ونقابات ومنظمات في ظاهرة مهيمنة على الانتخابات الأميركية، ما يفتح من وجهة نظرها، الباب أمام الأغنياء والسياسيين النافذين للحصول على المناصب بسبب تصميم النظام الانتخابي لخدمتهم على حساب من لا يمكنهم منافسة مواردهم المالية.

كيف تُجمع التبرعات لمرشحي الانتخابات؟

تنشط الحملات الانتخابية في جمع التبرعات من الأشخاص والشركات والجمعيات والنقابات العمالية لتسديد تكاليف الاتصال والترويج للمرشح، ودفع رواتب العاملين في الحملة، كما يوضح جويل روبن، نائب مساعد وزير الخارجية في إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، مشيرا إلى أن تبرعات الناخبين بشكل فردي لا تكفي لتغطية النفقات المتزايدة عاما وراء عام.

ويُنظم المرشح عشاء جمع التبرعات، ويدعو المتبرعين ويعرض برنامجه الانتخابي ويناقشه مع الحضور، من أجل ترويج أفكاره وإقناعهم بأنه جدير بدعمه ماليا، كما يوضح أحمد الكعبي، المساعد السابق للسيناتور عن ولاية ميشيغان ديبي دينجل، والذي عمل في عدة حملات انتخابية على مستوى الولاية، ويلي ذلك العمل على التواصل مع لجان العمل السياسي، أو ما يعرف بالـ "الباكس" وهي جماعات تدعم ماليا المترشحين الذين يخدمون القضايا التي تتوافق مع توجهاتهم، أما في حال الاستحقاقات الانتخابية الكبرى كانتخابات الرئاسة فإن هذه الجماعات هي من تعرض دعمها على المترشح كما يوضح الكعبي.

وتكمن صعوبة جمع الأموال لتنشيط الحملات الانتخابية بحسب روبن، في أن الأحزاب السياسية لا تدعم المترشح ماديا إلا إذا كان الأمر متعلقا بالرئاسيات، أو كانت الانتخابات تجري في ولاية أو مقاطعة من شأنها التأثير على حظوظ الحزب في الفوز بالأغلبية في الكونغرس، وحتى في هذه الحالة تكون المنافسة شديدة بين المترشحين للحصول على دعم الحزب، ويقدم مثالا بخسارته في الانتخابات الأولية الخاصة بتمثيل المقاطعة الشرقية لولاية ماريلاند عام 2016، أمام ممثلها الحالي بالكونغرس جيمي ريسكن بسبب محدودية الأموال التي استطاع جمعها والمقدرة بـ 269 ألف دولار، مقارنة بغريمه الذي جمع مليونين و544 ألف دولار.

تصاعد تكلفة الحملات

قُدرت تكاليف انتخابات الرئاسة والتجديد النصفي للكونغرس عام 2020 بـ 14.4 مليار دولار، وهو رقم يعتبر مرتفعا مقارنة بتكاليف انتخابات 2016، والتي كلفت 6.5 مليارات دولار، وتعود الزيادة الكبيرة بسبب دور لجان العمل السياسي "سوبر باكس" التي ساهمت في رفع التمويل، بحسب ما توثقه OpenSecrets (أوبن سيكرت)، وهي منظمة تتعقب الإنفاق السياسي، إذ ضخت منظمة أميركا أولا 250 مليون دولار بين مايو/أيار 2019 وأغسطس/آب 2020 على مستوى ولايات أبرزها فلوريدا، كارولينا الشمالية، بنسلفانيا وويسكونسن، لدعم الرئيس السابق دونالد ترامب، في المقابل، أنفقت مجموعة الولايات المتحدة إلى الأمام، المقربة من الديمقراطيين 141 مليون دولار، لدعم الرئيس الحالي جو بايدن خلال حملته الانتخابية بحسب أوبن سيكرت.

14.4 مليار دولار تكاليف انتخابات عام 2020

وبلغت قيمة الأموال التي أنفقتها الحملتان الانتخابيتان للرئيس السابق دونالد ترامب والرئيس الحالي جو بايدن والمنظمات المساندة لهما 2.74 مليار دولار، قدرت حصة بايدن بـ 1.68 مليار دولار، فيما بلغت حصة ترامب 1.06 مليار دولار، كما أنفقت الجماعات المناصرة لهما 1.02 مليار دولار، بحسب ما جاء في ورقة حقائق نشرها في 14 ديسمبر/كانون الأول 2020 المركز البحثي لإصلاح السياسة Issue One بعنوان: 12 رقما يجب أن تعرفها عن المال في الانتخابات الرئاسية لـ 2020.

الصورة
بايدن

وأنفق The Senate Leadership Fund أو صندوق القيادة في مجلس الشيوخ الداعم والمتحالف مع ميتش ماكونيل زعيم الأقلية الجمهورية في مجلس الشيوخ، نحو 294 مليون دولار لدعم الجمهوريين المرشحين، يليه مباشرة Senate Majority PAC الصندوق المقرب من زعيم الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ تشاك شومر والذي أنفق 230 مليون دولار وجهت لدعم المترشحين الديمقراطيين، للرئاسة والكونغرس في مختلف الولايات.

وتقدر منظمة أوبن سيكرت التكلفة الإجمالية في عام 2022 لانتخابات الولايات والانتخابات الفيدرالية، بـ 16.7 مليار دولار، بحسب تقريرها المنشور في 3 نوفمبر/تشرين الثاني 2022، ما يجعلها الأغلى في تاريخ انتخابات التجديد النصفي، ويشير التقرير إلى أن المبلغ يشمل إنفاق الحملات الانتخابية للمترشحين، واللجان الحزبية، ولجان العمل السياسي "الباكس"، وغيرها من المنظمات الداعمة.

ويصف الدكتور خليل جهشان مدير المركز العربي في واشنطن، التكلفة المتصاعدة للحملات الانتخابية في أميركا بـ"الجنونية"، مشيرا إلى أن هذا قد يعتبر من أنواع الفساد في بلدان أخرى، لكن في النهاية القانون في أميركا يسمح للجان العمل السياسي بمنح مبالغ غير محدودة للمترشحين، ما يجعل تكلفة الانتخابات تتزايد باستمرار.

تحكم المال بالسياسة الأميركية

بعد إعادة انتخاب الجمهوري ريتشارد نيكسون رئيسا، وفوزه على منافسه الديمقراطي هيبرت همفري، فتح الكونغرس تحقيقا في الحملات الانتخابية والمساهمات المالية المقدمة للمترشحين في 17 يونيو/حزيران 1972، وأصدرت المحكمة العليا، عام 1976 حكمها المعروف بـ Buckley v. Valeo، والذي قضى بوضع قيود على مقدار الأموال التي يمكن للفرد المساهمة بها في حملة واحدة، مع ضرورة إبلاغ لجنة الانتخابات الفيدرالية التي قضى الحكم بإنشائها، بالمساهمات المقدمة.

16.7 مليار دولار تكاليف التجديد النصفي عام 2022 

ولكن المحكمة توصلت إلى أن القيود المفروضة على الحملات الانتخابية تنتهك التعديل الأول للدستور الأميركي ومن ذلك إنفاق المرشحين من مواردهم الشخصية أو العائلية، وإجمالي نفقات الحملة الانتخابية وأن تقييد الإنفاق الانتخابي لا يخدم المصلحة العامة بما يكفي لتبرير تقييد حرية التعبير المضمونة في التعديل الأول للدستور الأميركي.

لكن تأثير الشركات والمجموعات المستقلة التي يُمكنها إنفاق أموال غير محدودة لدعم الحملات الانتخابية توسع بشكل كبير بعد قرار "Citizens United"، الذي أصدرته المحكمة العليا عام 2010 وأقر بأن الشركات والمجموعات المستقلة يُمكنها إنفاق أموال غير محدودة لدعم الحملات الانتخابية، حسب مقال بحثي بعنوان (قرار المحكمة العليا لعام 2010 يعطي المتبرعين الأثرياء والشركات مزيدا من النفوذ)، ونشره مركز برينان للعدالة المتخصص في دراسات السياسة والقانون بتاريخ 19 ديسمبر/كانوان الأول 2019.

الحكم الآخر الذي عبرت من خلاله المحكمة العليا عن فكرة أن تقييد التبرع للسياسيين يعد مساسا بحرية التعبير، يتمثل في قرار ماكونيل ضد اللجنة الفيدرالية للانتخابات لعام 2003، والذي أتى بعد إقرار قانون إصلاح الحملات الحزبية لعام 2002 والذي يهدف لحظر التبرعات غير المحدودة، لكن القانون قابله طعن للسيناتور ميتش ماكونيل، ممثل ولاية كنتاكي في مجلس الشيوخ، وانتهت المحكمة العليا إلى تأييد القيود المفروضة على تمويل الحملات الانتخابية، ورأت بأنها تؤثر فقط على مستوى الولايات، لكنها قضت كذلك بعدم منع الشركات والنقابات من تقديم تبرعاتها لصناديق منفصلة كلجان العمل السياسي أو "الباكس" التي بدورها تنشط حملات مستقلة عن حملات المترشحين لدعم انتخابهم.

وبسبب نشاط الـ "السوبر باكس" الذي يُسمح لها بجمع الأموال دون الكشف عن مصادرها وتسيير حملات مستقلة عن المترشحين فإنها توصف بـ "أحزاب الظل"، وفق البروفيسور مارك روم، أستاذ السياسات العامة في جامعة جورج تاون، الذي انتقد هذا النوع من تمويل الحملات الانتخابية، لأن السوبر باكس قادرة على جمع الأموال من مصادر غير محدودة ومجهولة، وبالتالي فإن الأميركيين لن يكون بمقدورهم معرفة من يدعم المرشح ومن المستفيد من القرارات التي سيتخذها، قائلا لـ"العربي الجديد": "أصحاب المال يؤثرون على الساسة، خاصة فيما يتعلق بالتشريعات التي تمس مصالح الصناعات الكبرى كالدواء والسلاح، وتصعب مواجعة الأمر بسبب السماح للجماعات المستقلة بعدم الإفصاح عن مصادر أموالها، والثاني لأن الرئيس، أو المشرع في الكونغرس، سيُجادل بأن القرار الذي اتخذه كان استجابة لرغبة ناخبيه أو أنه شخصيا يراه صائبا، ما يصعب فتح أي تحقيق، لذلك لا بد من إضفاء المزيد من الشفافية على تمويل الحملات الانتخابية، لأنه من حق الأميركيين معرفة هوية المانحين وحجم الأموال التي حصل عليها المترشحون لتسهيل محاسبتهم إذا خدموا مصلحة غير مصلحة الناخب".

ومن شأن مشروع قانون قدمته النائبة كاتي بورتر (ديمقراطية من كاليفورنيا) العام الماضي أن يمنع لجان العمل السياسي من قبول الأموال من جماعات الضغط المسجلة في دولة أجنبية. وتشمل مقترحات الإصلاح الأخرى زيادة متطلبات الإفصاح والشفافية، وتوفير المزيد من الموارد لوحدة التأثير الأجنبي بوزارة العدل وتوحيد بيانات التسجيل، كما قالت آنا ماسوغليا، خبيرة التأثير الأجنبي في OpenSecrets.

إصلاح نظام تمويل الحملات الانتخابية

"قُدمت للكونغرس مشاريع قوانين متعددة تُقدر بالمئات، تهدف لإصلاح نظام تمويل الحملات الانتخابية منذ سبعينيات القرن الماضي، ومع ذلك بقيت التغييرات الحقيقية نادرة"، حسب ما جاء في تقرير نشره مركز الأبحاث التابع للكونغرس، في 23 فبراير/شباط 2021 بعنوان (وضعية تمويل الحملة الانتخابية: التطورات الأخيرة والقضايا المطروحة على الكونغرس). ويُرجع البروفيسور روم غياب التغييرات الحقيقية المتعلقة بتنظيم تمويل الحملات الانتخابية، إلى اعتبار التبرع جزءا من حرية التعبير واصطدام تقييده بالضمانات الدستورية لها، داعيا المشرعين لبذل المزيد من الجهود لحل هذه المعضلة بدل التذرع بصعوبتها وإبقاء الوضع على ما هو عليه.

ولا يمكن إقرار أي مشروع أو قانون يتعلق بالسياسة الداخلية أو الخارجية في الكونغرس الأميركي دون أن يكون مدعوما سياسيا وماليا، بحسب جهشان، واصفا نظام الحكم في الولايات المتحدة الأميركية بـ "أفضل ديمقراطية تشتريها الأموال"، لأن تاثير المال السياسي فيها جزء من حرية التعبير والاختيار.