ترامب والفلسطينيون: ترهيب من دون استراتيجية

ترامب والفلسطينيون: ترهيب من دون استراتيجية

28 يناير 2018
يقود ترامب وهالي الهجوم الدبلوماسي على الفلسطينيين (فرانس برس)
+ الخط -

في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب قرّرت واشنطن أن تنحاز بشكل حصري لمصلحة إسرائيل، مقابل معركة سياسية مفتوحة وغير متوازنة مع سلطة فلسطينية تترنّح تحت الاحتلال. محاولة ترامب إملاء شروطه على الفلسطينيين، على الرغم من اعتراضات المؤسسة الحاكمة في واشنطن، تُثير التساؤلات حول مصير الاتجاه الجديد في المقاربة الأميركية للنزاع الفلسطيني الإسرائيلي.

حرص الرؤساء الأميركيون منذ ريتشارد نيكسون على تسهيل المصالح الإسرائيلية، لكن كان هناك رادع عربي يفرض على واشنطن إيجاد توازن. ومقابل محاولة إبعاد العرب عن الاتحاد السوفياتي ورفع حظر النفط في الخليج عن الأسواق الأميركية، دشّنت واشنطن في سبعينيات القرن الماضي مرحلة وساطتها الإقليمية بين العرب وإسرائيل. وبعد فشل الرئيس السابق باراك أوباما في إقناع نتنياهو بإنقاذ ما تبقّى من احتمالات السلام، يبدو أن ترامب يزرع بذور مرحلة جديدة تفك ارتباط الولايات المتحدة بمسار عملية السلام.

وخرج ترامب خلال اجتماعه مع رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، في دافوس أخيراً، عن طور أي دور تقليدي للسياسة الأميركية في الشرق الأوسط. ومن دون حد أدنى من التواضع وإدراك لحدود النفوذ الأميركي، افترض أنّ قضية القدس أصبحت خارج التداول وأن المساعدات الأميركية للفلسطينيين تكفي لإجبارهم على التفاوض أو التسوية، واختصر كل معاناة هذا النزاع بأنانيته المعهودة، أي وضع تحقيق السلام المنشود ضمن إطار تحقيق إنجاز شخصي لم يسبقه إليه أي من أسلافه.

واللافت في التوتر الأميركي - الفلسطيني هو الصمت المدوي في مقر وزارة الخارجية في واشنطن، في وقت يقود فيه الهجوم الدبلوماسي كل من ترامب والسفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، بالتناغم مع نائب الرئيس مايك بنس. وتعكس الدوافع الداخلية لحملة ترامب على الفلسطينيين، قبل أي شيء آخر، غياب أي استراتيجية أميركية متناسقة. فقد قرّرت واشنطن منح إسرائيل هدية مجانية عبر الاعتراف بالقدس عاصمة لها بدون أي تنازل منها في المقابل، وتريد معاقبة الفلسطينيين على رفض هذا القرار بدون تقديم أي حافز لهم للتفاوض.

في المقابل، هناك أربعة خيارات سياسية قد تساعد إدارة ترامب على استعادة التوازن في عملية السلام في الشرق الأوسط: أولاً، تبنّي الرغبة الأوروبية في لعب دور مركزي في عملية السلام إلى جانب واشنطن. فإذا أصبح الاتحاد الأوروبي الطرف الضامن للفلسطينيين، سيخفف ذلك من الضغط على الإدارة الأميركية ويسمح لها بتركيز الجهود على صياغة خطة السلام. ثانياً، أدى إعداد مقترحات سلام عبر صهر الرئيس، جاريد كوشنير، بطريقة سرية، تتجاهل المؤسسة الحاكمة في واشنطن ولاعبين إقليميين رئيسيين مثل الأردن، إلى نتائج عكسية. لذلك، لا بدّ من مسار يشرك المجتمع الدولي والحلفاء العرب في هذه المشاورات. ثالثاً، الرصيد الكبير الذي يملكه ترامب عند نتنياهو يجب استثماره لإقناع الحكومة الإسرائيلية بالالتزام بعملية السلام ضمن إطار دولي. فتمسّك إدارة ترامب بالمصلحة الإسرائيلية فوق كل اعتبار غير مُجدٍ، ويجب أن يكون هناك إدراك بأنّ النفوذ الأميركي ينحسر في المنطقة، وواشنطن وحدها غير قادرة على فرض السلام على أي من الفلسطينيين أو الإسرائيليين. رابعاً، التوتر الأميركي-الفلسطيني لا يخدم كلا الطرفين، ولا بدّ من إعطاء الضوء الأخضر لوساطة تستعيد الحد الأدنى من التواصل، ويمكن أن يلعب الأردن دوراً رئيسياً في هذه الجهود.

من جهة أخرى، فإن المناورة التي قادها الرئيس الفلسطيني محمود عباس في بروكسل رمزية، وهي تكتيك فعّال للضغط على الأميركيين، لكنها لا تكفي كسياسة قائمة بحدّ ذاتها للتوصّل إلى اعتراف أممي بالدولة الفلسطينية. والأهم من ذلك، لا يمكن للسلطة الفلسطينية إقناع المجتمع الدولي بأنّ هذه الدولة قابلة للحياة بدون إعادة توحيد الأراضي الفلسطينية وإنهاء اعتماد السلطة على الاحتلال الإسرائيلي. ففي الحقيقة لا الأوروبيون ولا العرب مستعدون لخوض معركة سياسية مع أميركا أو إسرائيل دفاعاً عن المصالح الفلسطينية، هذه البراغماتية دفعت حتى الأردن أخيراً إلى قبول اعتذار إسرائيل لطيّ صفحة القطيعة معها.

وفي ظلّ التحديات الداخلية التي تواجهها السعودية ومصر والأردن والتي تمنعها من لعب دور فعّال في عملية السلام، الاتحاد الأوروبي يملأ هذا الفراغ. فتوجّه الفلسطينيين إلى بروكسل هو فرصة لإدارة ترامب للتخفيف من الأثر السلبي الذي تركه قرار القدس على سياستها وصورتها في المنطقة. وحتى لو أنّ فرص إحداث اختراق تفاوضي مستبعدة في المدى المنظور، فإن إطلاق عملية سلام بين الفلسطينيين والإسرائيليين قد يكون الطريق الوحيد لتفادي سيناريو انفلات الأوضاع الأمنية بشكل شامل في حال استمرت واشنطن في سياستها الحالية. فبروكسل رمت شريان حياة دبلوماسياً عبر استيعاب الغضب الفلسطيني، وعلى واشنطن أن تغتنم هذه الفرصة.

المساهمون